لو كانت الكلمات أزهارًا، لكانت كلمة (أمي) زنبقة بيضاء، لكانت (الوداع) أقحوانة يابسة، لكانت (الصبح) فُلّة على ناصية الفجر.
تقول الدراسات-التي يكرر فيها الباحثون ما تعلمنا له الحياة- أن البشر الذين يستمعون إلى كلمات طيبة، هم الأكثر سعادة وأقل عرضة للموت المفاجئ، لكن ما لا يخطر على بال العلماء أنّ الذين رحلوا بسبب الموت المفاجئ، قد يكونوا أكثر البشر قولًا للكلمات الطيبة ، لكن أقلهم استماعًا لها، وأنّ تبادل الكلمات الطيبة هو ما يجعل الحياة محتملة وربما جميلة مهما كانت مدتها، لأن الأصل في اللغة هو التواصل.
في امتحان المرحلة الابتدائية، سؤال، ضع الكلمة المناسبة في الفراغ : (.....) تحيط بها المياه من أربع جهات.لتجيب زميلتنا فاطمة (السمكة)، تلك الإجابة والتي لا يوجد سبب يجعلها خاطئة كانت محل تندر من المعلمة التي قررت الجهر بها، كانت الإجابة الصحيحة هي (الجزيرة) ، في ذلك الوقت ضحكنا كثيرًا ..جميعنا.
كبرنا، وأصبح معظمنا ( فاطمة) نبحث عن الكلمات المناسبة لنضعها في الفراغات، لكنّ إجاباتنا غالبًا خاطئة، ربما لأننا حالمون أكثر مما يلزم، ومازالت رُؤانا تصفر من الفراغات.
كلمة واحدة،قاسية، قد تخل باتزان رئتنا، فيميل معها قفصنا الصدري، تكسر ضلعًا وتشرخ آخر،وإنْ جُبر يبقى لأزمان ألم طفيف يلكزنا لحظات ونعود بعدها لعالمنا الداخلي.
وبعيدًا عن أسفار الروح،هنالك الكلمة المختومة على ورق جاف كرياح السموم، راسب، غير معتمد، مرفوض، تؤجل حلمًا وتنهي آخر، تحولك من مشروع كائن إلى آخر.
وكأنّ هناك من قدم عرضًا للبشر فيمَ أنت نائم، أنّه كلما جفوت بالكلمات زاد رصيدك المصرفي!. إنّ جفوة الكلمات ليست في غياب الصوت أو الحروف، بل في غياب الكلمة المُنتظرة، التي تُعيد توزيع إيقاع حياتنا، تلهمنا، تُعيننا، تمنحنا نظرة أخرى و مدًى وجوديًا أرحب، كما قال (أدونيس) : قل كلمة وامض...زد سعة الأرض.
الرسائل الصوتية التي تظهر في مشاهد أفلام الأبيض والأسود، تلك التي تُسَجل على شريط (كاسيت)، ويرسلها البعيد إلى أحبائه، كانت تحمل هذا المعنى الفريد، الذي يُعطي بعدًا آخر للشوق والانتظار وربما الأمل. كلمة إثر كلمة ...بنبرة المُرسل واختلاجاته تُعمّر طريقا بإتجاهين، طريقا من المشاعر بين المغترب ودياره، كلمة بمثابة وعد أخضر.. وردة .. قصيدة ... قمر يُحيل الليالي الحالكة إلى لوحة ليلكية. لكنْ ليس شريط (الكاسيت) وحده الذي لم يعد موجودًا، بل المُنتظر، المُستمع ...أيضًا غاب خلف غابة الشاشات.
لكنها لحظة هامة تلك التي نعي فيها أنّ الكلمات لم تعد تشكل أي فارق في مجرى حياتنا، وأننا فقدنا بتلات اللغة، فلا بلاغتنا تسعفنا للتعبير عن ما بداخلنا، ولا الآخر مازال يحتفظ بقلبة الذي كان بيتًا، كان حقلًا، فانطفأ بريق الكواكب الصغيرة السابحة في فضاء مقلتيه، تلك التي كانت تتلألأ عندما نقول مفرداتنا المألوفة.
وبعد كل ذاك، نختار وبملئ إرادتنا أن نظلم إنسانيتنا .. فنستحيل إلى -طبيعة صامتة- ، نركن للسكون والصمت الغير جميل،لنزيد من تعداد البشر الذين يصفهم المراهقون بالمُملين، نتكور بعيدًا في عمقنا ونغلق علينا الأبواب كأجنّة حديثة ليس لها سوى الإنصات إلى تلاوة قلوب أمهاتها، ليبقى نبض الأم هو ذكرى الصوت الطاهر.. .الكلمة الوحيدة التي بقيت على العهد ولم تخن وجودنا.
أما كلماتنا الجميلة التي لم ولن تُقال فإنها ترحل إلى بيادر القلب، هناك ... حيث تتعتق، وتصبح أعشابًا عطرية جافة يذكرنا عبقها بين شجن وآخر بكلمة عذبة كنا نود قولها، لكننا عجزنا أن نقولها كما يجب، ففضلنا الصمت.
أو قد تصبح كائنًا آخر، بخواص جديدة، يُسمى دموع، كما قال أحدهم :( إن الدموع هي الكلمات التي ليس بمقدور الشفاة أن تقولها ولا القلب أن يكشفها).
نأخذ قراراتنا في صمت، ونغادر في صمت، تاركين خلفنا ضوء منازلنا، آنيات زهورنا، ولا ننسى تجديد اشتراكاتنا في الصحف الدورية، وكأننا موجودون حقًا، أو لعلنا موجودون لكن بلا كلمات.
..
ردحذفكم احتاج إلى المعنى لأصل لحقيقة يبصرها القلب
،
كلمات كالورد
الكلمة، الإيضاح، الصوت، أحد الدروب التي تنتهي بالمعنى.
ردحذفsky شكرا لكلماتك وقراءتك
كلماتك وحروفك يفوح منها عبق الريحان والقرنفل والزعتر البري، اجدت الوصف لحالتنا الصادمة الصامتة تحياتي.
ردحذفأصبحت الكلمات أجمل بعد أن قرأها شخص ما ووجد أنها تفوح بالطيب.
ردحذفالمؤلم أنهم جعلوك بطريقة ما جزء من الصدمة.
باقة ريحان وزعتر بري لمرورك.