الخميس، 24 ديسمبر 2015

طبيعة صامتة...(2)/ قائمة الأمنيات


والآن ...
من يَذكر الورق الأصفر المُسَّطر بلون أزرق غائم ؟ ومتعة الكتابة بالقلم الأزرق الجاف ؟ رائحة الحبر، عبق الأيام، والزمن يركض على تلك الأسطر التي حوت يومياتنا، واحتضنت قائمة أمنياتنا، والحكاية التي طالتْ لكنها وصلت أخيرًا إلى نهايتها، فانهارَ الأزرق أمطارًا ، وتحولنا بقدرة قادر إلى - طبيعة صامتة-
 نتوحد أمام شاشات باردة، ونكتب بأزرار معدنية، حتى أننا أصبحنا مثقفين كفاية لنعرف المعاني واللغات، المعلومات الطبية والجغرافية، ونحن نجهل المعنى الحقيقي الذي يختبئ في قلوبنا ونتعثر بالجغرافيا التي تقف عليها أقدامنا وتضم أجساد أحبائنا، ونتناسى الحُلم الذي من أجله بدأت يقظتنا.
قل لي ما هي أمنياتك أقل لك من أنت ؟ وإن رغبتَ أن تُعيدَ أصدافَ أيامك إلى شاطئ الطفولة دعني أخبرك بسري المُعلن : تَمنَ ... فالتمني من شيم الأطفال، تمن فأنت بلا أمنيات تحمل وجهًا بالأبيض والأسود . 
لنعود إلى ما قبل البداية، بداية زمنك، أصل الإنسان فيك، عندما كنت شفافًا كبلورة مسك، وكانت أمنياتك هي موطنك الأصلي، مُشتقتك الأولى التي عجز علماء الرياضيات عن الوصول إلى جذرها ...
تفاصيل تبدو تافهة للغير، تشكل كل حياتنا، أحلام ليس لها وزن في الجاذبية، كوَّنتْنا حُبًا على شغف، عطرًا على مطر، لونًا على ورد، وروحًا على جسد. أمنيات جعلت منا نحن، وكل يوم يأتي حاملًا معه هدية مختلفة، نُضمنها باقة أمنياتنا لنغرسها برمح سعفة في جرّة القلب. أمنية جديدة تحولنا من جُرمٍ مُعتم إلى آخر مضيء كوجه البدر ، تحمل شيئًا من أرواحنا وأفكارنا في فترة ما من زمننا.
تقول جوليان مور في Still Alice على لسان Alice المصابة بالزهايمر: " من سيأخذنا على محمل الجد عندما نبتعد جدًا عمن كنا عليه، عندما سلوكنا الغريب وجُمَلنا المُتلعثمة تغير من مفاهيمنا بل ومفهومنا عن أنفسنا، أصبحنا تافهين عاجزين وهزيلين، ولكن هذه ليست شخصياتنا بل مرضنا ".
كذلك نحن، من سيأخذنا على محمل الجد عندما نحل أنفسنا من وعود أمنياتنا البريئة البسيطة التي تمثل حقيقتنا قبل أن نصاب بعدوى التميز، تلك الأمنيات التي ترسم شيئا من ملامح قلوبنا عندما كانت رحبة لتسع الكون بكواكبه ومجراته، أمنياتنا التي تعتقت مع الوقت، حتى أصبحت كأحجارٍ كريمة وحدنا فقط نُدرك قيمتها، وبفضلها أصبحنا مختلفين ونادرين ، لا يهم أن نحققها ، لكننا بحاجة ماسة إلى هالتها، لتُحيط بنا، تحفنا وتهدينا إلى شخصياتنا الحقيقية، الملونه بألوان العُمر ...منذ عهد الأجنّة إلى أن تظهر خطوط الضحك والأحزان !
والآن ...
هل تذكرون الوقت الذي كان طويلا إلى حين ظهور نتيجة الإمتحان، حتى أصبح اليوم قصيرًا ولم تعد أربع وعشرون ساعه تكفينا لصنع بهجة صغيرة، بعد أن حشرنا أعين الآخرين في قلوبنا وكل قلب لا يتسع إلا لزوج عيون تحرسان العطر الذي يخلقه إيماننا بالله من أن ينسكب.
وعندما لا يبق من وقتنا الكثير ستُطوى صفحة الأمنيات ، لكن حياتنا ستكون قد عيشت على النحو الذي رسمناه بفرشاة أمنياتنا مهما كنا عاجزين عن تحقيقها، أو مهما كنا أقوياء وناجحين في تجسيدها، فسنكون قد عشنا العذاب والسعادة، وسنؤول إلى معنى الجمال الذي يمثله وجود الإنسان في أي مكان وفي جميع الأزمنة، سنكون قد قطعنا الرحلة وهبطنا في استراحتنا الأخيرة حاملين مظلات الأمل نرقب حدثًا غامضًا مبهجًا مستحيلًا وبسيطًا كوقفة عصفور على غصن.

أما تلك الخطوط التي تتبدى مع الأيام فوق أجفاننا، فليست مجرد عروق، بل خارطة طريق لأمنيات إنسان، يغمض عينيه كلما تمنى، لينبت ألف عرق، ألف بستان، فقد كان يومًا ما يتمنى.   

هناك 4 تعليقات:

  1. قل لي ما هي امنياتك اقل لك من انت... رائع جدا.. كلماتك دخلت اعماق روحي وحركت اصابعي، وارتشفتها حرفا حرفا بمتعة،وكأنها رشفات من القهوة صباحية تنعش الروح والجسد.. تحياتي ومحبتي ونقدير لقلمك الرائع.

    ردحذف
  2. كل الشكر والتقدير على الكلمات.
    شكرا لأن هكـذا أرواح تنعش المكان بزيارتها وتترك أثرًا ... أثرًا يشبه الذكريات.

    ردحذف
    الردود
    1. كل المحبة والشكر لك

      حذف
  3. غير معرف... شكرا لزيارتك لمتحف الحروف.

    ردحذف