الجمعة، 7 يونيو 2019

عندما أصبحتَ بيتًا -5


 

هذه السلسلة من الكتابات مهداه لأول إنسان تبحث عنه وتهتف باسمه مناديًا عندما تدخل لبيتك 


ونحن معك كأننا في الخارج للتنزه، بل وكأننا في الداخل للخلود للراحة. لا تسألني مع من أتجاذب أطراف الحديث في حديقة البيت، فيحدث الالتباس بينك وبين أشباهك من الزهور على مبتدئة في الجمال مثلي. ولا تحدق بي كثيرًا عندما أُخذل من أحدهم فسأبقى حمقاء لا أتعلم، ففي كل مرة أنسى وأُفصّل إنسانية الآخرين على مقاسك !!

لأنك المدرسة الأولى والوسطى والأخيرة ! تخرجنا منك بامتياز مع مرتبة الشرف.  وتأثيرك الوَّضاء أشَّع من أيَّة عتمة، للحد الذي يُحدِث لنا غسيل دماغ لِمَا في الخارج ، فنكرر التجارب الخاطئة ونتعثر ونعود إليك يا مرفأ المراكب العظيمة و المنسية، ومهجع كل ربيع مر في العمر ولم يأخذ حقة من الاحتفاء .

ننتقد و نتمرد. ندَّعي أننا أبطال وسنفعل شيئًا مختلفًا، نعتقد أن العالم كان ينقصنا لنصحح الأوضاع ونمسح الرماد عن الوجوه ! ثم في النهاية، نتفاجأ أنها النهاية! ولم يكن وجودنا إلا موسم من مواسم المطر وشكل من أشكال الغيوم العشوائية التي تعبر فوق رؤوس الطلاب في الطابور الصباحي، دون حتى أن يسترعي انتباههم ذلك الترتيب المتجدد للسماوات الصغيرة.

ثم نضجر من أنفسنا ومن كل سور أحال بيننا وبين أحلامنا، والمفارقة أننا مع الوقت نصبح بكياننا أسوارًا دفاعية لحماية القلب وباقي المجموعة . فيبدأ التشافي والقبول، تهدأ العواصف ويعود الكبد لمكانه فاقدًا قطعة منه، يستأنف القلب عملة  بإصاباته البليغة، والشرايين تستمر بالوصل والعطاء رغم إنهاكها.

وأخيرًا يعلن الاطباء أنك سليم وحالتك مستقرة! تتلقى تهاني وتبريكات المحبين فتُقنع عقلك بأنك سعيد وتبتسم للجميع ابتسامة مختلفة. ابتسامة العارف والمتعلم الذي استحق مرتبة الشرف تلك. ليعم الصمت والهدوء.
تستمع مُطولًا وتقول رأيك ناقصًا. تصبح الإيماءة لغة من فرط الإنسجام أوربما من اليقين بعدم جدوى الكلام!  تعطي كثيرًا. ولم تعد ترغب بالمزيد من أي شيء ، وماسبب لك الألم في الماضي أصبح باعثًا على الضحك . لاشيء يثير حفيظتك، لا ترغب أن تعجب أحدًا ولا أحد يعجبك . تشعر أنك مُتخم وبأنك عالم فلم الحاجة للعالم ؟

ويصبح أقصى المُنى العودة للديار .. لك أنت

 فأنت الدار العتيقة المعجونة بذرات النور والسمو ، القهوة والهيل، الذوق الرفيع للحياة، يا خلاصة العذوبة وحجر النقاء، يا قواريرًا من الحب والإيثار والتضحية والاحتواء مصفوفة على طاولة زينة تسمى الفضيلة. يا "تباشير الصيف"(1) و"قلم شكر"(2) كل الفصول، يا بيت البيت، الذي على أكتافه حطت رحالنا، حالنا كحال بلابل وليدة ضلت طريق العودة، فأصبحتَ الذود والحمى، دمت  عامرًا بالخير واليُمن والمسرات.

2،1 : مصطلحان في شبة الجزيرة عامة 1:  يطلق على بداية موسم جني الرطب
                                                    2: تسمية  لقصب السكر






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق